مقدمة
يشكل الأطفال شريحة كبيرة ومهمة في الهرم السكاني للدول العربية، وتعد الجهود المبذولة لتحسين أوضاع هذه الشريحة العمرية في المجتمع، ركيزة أساسية من ركائز إعداد القاعدة البشرية التي تؤهل لاستخدامها فيما بعد استخداماً منتجاً وفعالاً، ولا يأتي الاهتمام بقضايا الأطفال وحقوقهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية من فراغ، حيث تتوافق كل المنظمات الدولية، والقمم العالمية لحماية الطفولة، والمؤتمرات العربية والإقليمية، كما تتوافق المواثيق الدولية والعربية ليس فقط علي حماية الطفولة وضمان حقوقها الأساسية بل أيضا علي مبدأ النداء الأول للطفولة في مختلف أوضاع السلم والحرب، وتقلبات السياسة والاقتصاد.
فهناك توافق راهن علي كون الطفولة تمثل أحد أبرز العناصر الإستراتيجية في بناء المستقبل إلا أن أهمية هذا العنصر تفوق ما عداها في الخطورة والإلحاح باعتبارها قوة نماء حتمي كالزمن لا يمكن تأجيله. فإذا لم يتم تعهدها بالرعاية والإعداد، ستستمر رغم كل شيء بالنماء، إنما بأشكال قد تكون ملتوية أو معاقة أو متعسرة مما يهدد بإفلات المصير منا، فارضة شتى أنواع الاختلال علي مستقبل الأوطان.
وتعتبر مرحلة الطفولة خاصة المبكرة منها هي مرحلة التأسيس في تكوين شخصية الطفل من نواحيها المختلفة الجسدية، والوجدانية، والاجتماعية، والذهنية، ففي هذه المرحلة ترسم أبعاد نمو الطفل وفيها يتم تكوين أنماط التفكير والسلوك، وبناء أساسيات المفاهيم والمعارف، والخبرات والميول والاتجاهات.
وإدراكا من المجلس العربي للطفولة والتنمية بأهمية هذه المرحلة، وتواصلا مع جهوده السابقة في هذا المجال جاءت عام 2004 فكرة عمل دراسة تحليلية عن أوضاع الطفولة المبكرة في الوطن العربي، بهدف التعرف على وضعيتنا من قضايا الطفولة عامة والطفولة المبكرة على وجه الخصوص، وذلك بدعم من برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (أجفند).
وقد تم التخطيط لأن تكون هذه الدراسة التحليلية محاولة لرسم صورة بانورامية لواقع الطفولة العربية في مرحلتها المبكرة، بما يحويه من انجازات وما يعترضه من مشاكل وصعوبات، حتى يستطيع واضعي السياسة في المجتمع العربي تلافى أوجه النقص وتدعيم ما تحقق من انجازات. فلا شك في حدوث تقدم كبير في الوفاء باحتياجات الأطفال في العالم العربي، ومع ذلك فلا تزال هناك مجالات كثيرة تحتاج للعناية وللعمل الجاد. ذلك أن أساس نمو أي مجتمع أو تخلفه، وفرص دخوله كشريك في صنع مستقبل العالم أو وقوعه في حالة التبعية والانقياد وفقدان السيطرة علي المصير، يتوقف علي طبيعة ونوعية مدي السياسات الموجهة نحو رعاية الطفولة ومقدار الأولوية التي تعطي لتنشئتها وإعدادها للتعامل مع تحديات المستقبل والاستفادة من فرصه. ولكي يتحقق ذلك لابد أولا من معرفة مقدار وحجم الانجازات، ومواطن القصور، وثانيا دراسة تجارب الدول الأخرى ومحاولة الاستفادة منها، وثالثا وأخيرا تشجيع المشاركة الاجتماعية.